Quantcast
Viewing all 44 articles
Browse latest View live

إيران و«الإخوان»: الجذور الآيديولوجية للشراكة (الحلقة الأخيرة) : طهران تستعيد «فدائيين الإسلام» الذين «قضت» عليهم وأعدمت قياداتهم إيران و«الإخوان»: الجذور الآيديولوجية للشراكة (الحلقة الأخيرة) : طهران تستعيد «فدائيين الإسلام» الذين «قضت» عليهم وأعدمت قياداتهم

Image may be NSFW.
Clik here to view.
بحلول عام 1965، كان عقد كامل قد مر على إعلان حكومة طهران «القضاء الكامل» على «فدائيي الإسلام»، أي النسخة الإيرانية من «الإخوان المسلمين»، وذلك في أعقاب إعدام قيادتها المعروفة. ومع ذلك، وفي 22 يناير (كانون الثاني)، عادت الجماعة التي كان يفترض أنها اختفت تماما إلى صدارة المشهد على نحو مباغت، باغتيالها رئيس الوزراء حسن علي منصور. ولاحقا، أخبر الشخص الذي اغتاله، وهو محمد بخاري، المحققين بأن جماعة «الفدائيين» تفرقت وانقسمت إلى جماعات عدة، وأنها «مستعدة لتنفيذ عمليات قتل وللموت أيضا». والأخطر من ذلك هو أن بخاري زعم أن اغتيال رئيس الوزراء كان «بتخويل» من فتوى أصدرها آية الله محمد هادي ميلاني من مشهد. لكنني أجريت حوارا مع ميلاني في عام 1970، في منزله، وعلق على ذلك الزعم قائلا إنه «باطل يستهدف الإساءة لرجال الدين». على الرغم من أن ميلاني لم يكن متعاطفا مع الفدائيين، كان هناك العديد من رجال الدين الشيعة الآخرين الذين ينظرون لتلك الجماعة بمزيج من الخوف والاحترام. كان الفدائيون قد استعاروا مفهومين رئيسين من «إخوان مصر»؛ أولهما هو تحويل الإسلام من دين إلى آيديولوجيا سياسية، وكان ذلك جديدا تماما بالنسبة لإيران. فمنذ أن قام الصفويون بتحويل المذهب الشيعي الاثني عشري إلى الدين الرسمي لإيران، نأى رجال الدين، الذين جاء معظمهم من لبنان والعراق، بأنفسهم عن السياسة. وكان ذلك راجعا إلى أن العقيدة الشيعية تعتبر الحكومات التي تشكلت في غياب المهدي المنتظر حكومات غير شرعية. وما دام الإمام المنتظر لا يزال مختفيا، لا يجب على المؤمن أن يشارك في السياسة، وعليه أن يقيم أقل قدر ممكن من التواصل مع السلطات الحاكمة. ووفقا لمبدأ «الانتظار»، كانت المهمة الرئيسة للمؤمن هي إعداد نفسه لـ«الظهور». لكن «الفدائيين»، وفروعهم التي ظهرت لاحقا، لم يكونوا يوافقون على ذلك المبدأ؛ فقد كانوا يصرون على أن المؤمن يجب أن يحاول بفعالية تعجيل «العودة»، ومن ثم فقد أسسوا مفهوم «التعجيل» في مواجهة مفهوم «الانتظار». وبينما كان ميلاني رجلا مؤمنا بـ«الانتظار»، كان الخميني، الذي كان منفيا في العراق، رجل «تعجيل». وكان يطلق على الجماعة التي ينتمي إليها قاتل منصور «تحالف المجتمعات الإسلامية». وهي جماعة ستلعب دورا محوريا في نظام الخميني بعد ذلك، حيث تمكن أحد قادتها، حبيب الله أصغر أولادي، في الاستمرار في العديد من الوزارات في عهد الخميني، وتمكن من جمع ثروة كبيرة وأنهى حياته الطويلة، وهو من أهم الشخصيات في نظام الخميني. ولم يكن تحالف بخاري هو الفرع الوحيد لـ«الفدائيين»، فقد كانت هناك جماعة أخرى تطلق على نفسها «حزب الأمم الإسلامية»، يقودها عباس دوزدواني، الذي سيصبح، لاحقا، وزير الإرشاد الإسلامي في عهد الخميني، وكانت تلك الجماعة تحلم بـ«الجهاد» المسلح لتحويل العالم كله إلى المذهب الشيعي. وكان هناك فرع آخر لـ«الفدائيين» هو حزب الله، الذي يقوده حجة الإسلام هادي الجعفري، وهو الرجل الذي قتل في عام 1979 رئيس الوزراء السابق، أمير عباس هويدا، أثناء اقتياده إلى محبسه بعد انتهاء إحدى جلسات المحاكمة. ومن قيادات حزب الله الآخرين، كان هناك آية الله صادق خلخالي، الذي كان مقربا من الخميني والذي قام باعتباره من كبار القضاة الإسلاميين، بالحكم على ما يزيد على خمسة آلاف سجين، بالإعدام مباشرة فور استيلاء الملالي على السلطة في عام 1979. وبعد الثورة، أصبح إنشاء أفرع لحزب الله في الدول الإسلامية الأخرى ضمن البرامج الحكومية. ففي الفترة ما بين 1979 و1989، جرى إنشاء 17 فرعا، بما في ذلك فرع في لبنان، أسسه وأداره، في البداية، آية الله علي أكبر محتشمي. ولاحقا، خضعت الشبكة للهيمنة المباشرة للحرس الثوري. ومن جهة أخرى، قرر بعض رجال الدين الذين كانوا يرتبطون، في البداية، بالفدائيين، أن يعقدوا صفقات مع نظام الشاه. ثم تبنوا، تدريجيا، موقفا بعيدا عن السياسة. ومن بينهم كان آية الله كاشاني، والواعظ بالإذاعة محمد تقي فلسفي، والملا شمس الدين قناة العبادي، والواعظ الشهير فخر الدين حجازي. ثم تحول عدد من مؤيدي «الفدائيين» إلى مجال المال والأعمال، من بينهم علي أكبر بهرماني، الذي استخدم الاسم المستعار «هاشمي رفسنجاني» واتجه للعمل كمقاول معماري. وسرعان ما اتجه شباب الملالي والطلاب الدينيون الذين كانوا لا يزالون موالين لـ«الفدائيين» إلى الإقرار بأن الخميني هو قائدهم - وأنه وريث حقيقي لنواب صفوي. وكان من بينهم أشخاص مثل علي خامنئي ومحمد خاتمي. وخلال العقود الثلاثة الماضية، كان من بقي من الفدائيين والمتعاطفين معهم، أو أقرباء لأعضاء التنظيم الأولين، يمثلون جزءا كبيرا من الأفراد الذين يعملون في نظام الخميني. وفي بعض الأحيان، ابتكر الأشخاص الذين كانوا أصغر من أن يكونوا قد لعبوا دورا في تاريخ الفدائيين، روايات تحاول إيجاد صلة بينهم وبين الفدائيين. وقد زعم حسن روحاني، الذي سيصبح، لاحقا، رئيسا للجمهورية الإسلامية، أنه عندما كان طالبا في المدرسة، كان يوزع منشورات نواب صفوي. وزعم الخميني أنه حضر العديد من المحاضرات التي ألقاها صفوي في طهران ومشهد. وقد لجأ كبار رجال الدين، مثل أية الله أبو القاسم الخوئي (في النجف)، وكاظم شريعتمداري في قم، إلى اتخاذ وضعية رجال الدين الشيعة الأكثر هدوءا وبعدا عن السياسة. ولكن التعامل مع الإسلام باعتباره أيديولوجيا بدلا من كونه دينا، مكن الإخوان والفدائيين من السعي للحصول على جمهور أوسع باسم الأهداف السياسية المشتركة. وهذا ما عبر عنه أية الله محمد قمي، في حوار أجري معه في 1984: «ففي مناقشة دينية، سرعان ما سيتضح أن هناك خلافا عميقا في فهم الإسلام بين السنة والشيعة، ولا يستطيع أي طرف أن يوافق على النقاط الرئيسة في موقف الآخر. ولكن عندما يأتي الأمر إلى السياسة، يمكنهما أن يتحدا وراء شعارات وأهداف مشتركة. وبمعنى آخر، بينما يفرق الدين المسلمين، تجمعهم الأيديولوجيات السياسية». وكان الدرس الثاني الذي تعلمه الفدائيون من الإخوان، هو أهمية الفعل المباشر الذي يمكنه، في بعض الأحيان، أن يتحول إلى عنف وربما إلى إرهاب. ومع مرور السنوات، قامت مجموعة من الجماعات الإرهابية التي تعمل باسم الإسلام، أو باسم نسخ مختلفة من الماركسية، بقتل المئات من الأشخاص في إيران. وحتى بعدما جاء الملالي إلى السلطة، استخدم عدد كبير من خصومهم الاغتيالات والأشكال الأخرى من الإرهاب ضدهم، وجميعهم كان يتحرك باسم الإسلام. وفي عهد الخميني، ظهرت جماعة غامضة يطلق عليها «الفرقان»، واغتالت عددا من قيادات النظام الجديد، وبضمنهم رئيس الأركان، ولي الله قراني، وأية الله مرتضى مطهري، وأية الله محمد مفتح، فيما قتل كل من أية الله محمد بهشتي، والرئيس محمد علي رجائي، على يد «مجاهدي الشعب». ولم يقتصر تسييس استخدام المفرادت الدينية على الفصائل التابعة مباشرة للإخوان و- أو الفدائيين، فقد استخدمت، لاحقا، حركة ماركسية لينينية أطلقت على نفسها «فدائيو خلق»، مصطلح الفدائيين. كما أن حاشية نواب صفوي، كانت تطلق عليه «المجاهد»، وفي الوقت نفسه، كان يطلق ذلك المصطلح على جماعة ماركسية - إسلامية تطلق على نفسها «مجاهدو خلق». وكانت هناك العديد من المصطلحات الأخرى في قاموس الفدائيين التي استخدمتها الجماعات السياسية غير الدينية، مثل مصطلح «الشهيد»، ومصطلح «المنافق». وتطلق تلك الجماعات على مؤيديها مصطلح «إخوة المجاهدين»، فيما تطلق على خصومها اسم «محاربو الله». وكانت هناك حقيقة أساسية ساهمت في التقارب والتعاون الوثيق، لاحقا، بين الإسلاميين المصريين والإيرانيين، وهي التوصل إلى اتفاق بين قم والأزهر في أواخر الأربعينيات، وذلك بمبادرة من أية الله بروجرودي الذي كان يؤمن بضرورة الوحدة بين الأمم المسلمة لكي يجدوا مكانا أفضل في النظام الدولي ما بعد الحرب. وبعد سنوات من المفاوضات، وافقت كل من قم والأزهر على الإقرار بشرعية خمسة مذاهب، وهي المذاهب السنية الأربعة، بالإضافة إلى الشيعة الجعفرية. كما اتفق الجانبان على ألا يرسل أي منهما بعثات إلى أرض الآخر للتبشير بعقيدته. ومن ثم، ففي الفترة من الأربعينيات إلى الخمسنيات، أرسل بروجرودي نحو مائة بعثة إلى أوروبا وآسيا، ولكنه لم يرسل بعثة واحدة إلى مصر. وسهل ذلك التقارب حقيقة أن الأسر المالكة المصرية والإيرانية، كانت تربطهما علاقة وثيقة نظرا لزواج الأميرة فوزية من شاه إيران. وعلى الرغم من وجود تقلبات عديدة في علاقتهما، أدركت كل من حركة الخميني وجماعة الإخوان المسلمين حاجتهما لبعضهما البعض، على الأقل، كحلفاء لتحقيق أهداف تكتيكية. وكان كلا الفصيلين مناهضين للأوضاع الراهنة، يسعيان إلى تحطيم توازن القوى الذي تم تأسيسه في الشرق الأوسط، في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وكان كلاهما يرغب في انتزاع السلطة من النخب الحاكمة التي تعتمد على المؤسسة العسكرية. والأهم من ذلك، هو أن كلاهما كان حاسما في نبذ العالم الحديث، على الأقل ما يتعلق منه بالرسائل السياسية والثقافية. وبالتالي، فليس مفاجئا أن المؤلفات التي كتبها سيد قطب المصري، وأبو علاء المودودي الباكستاني، التي ترجم بعضها خامنئي، تم تقدميها باعتبارها «الفلسفة الإسلامية» في نظام الخميني. كان نظام الخميني يحتاج إلى الإخوان لسببين: أولهما، يرجع إلى السياسة الخارجية، حيث يتمتع الإخوان بحضور قوي في تركيا، ويمكن أن يساعدوا طهران في دق إسفين بين أنقرة وواشنطن. وهذا هو السبب الذي دفع نظام الخميني لأن يساند بقوة، حزب نجم الدين أرباكان «رفاه»، قبل وخلال هيمنة الحكومة التركية القصيرة عليه. وأثناء حديثه في جنازة أبيه في عام 2011، أثنى أرباكان على الجمهورية الإسلامية قائلا، إنها «أكثر رموز الإسلام القوي أهمية اليوم». كما تحتاج طهران إلى العلاقات الطيبة مع الإخوان، لكي تجد موطئ قدم لها في مصر، وهذا هو السبب الذي دفع خامنئي إلى إرسال عدد من المبعوثين إلى محمد مرسي فور انتخابه كرئيس، كان على رأسهم الرئيس محمود أحمدي نجاد، لعرض «شراكة استراتيجية» تبدأ بحزمة مساعدات تقدر بنحو 2 مليار دولار. كما عرضت طهران، علانية، مساعدة الإخوان على «تطهير» مؤسسات الدولة المصرية، وخلق نسخة مصرية من الحرس الثوري لسحق الخصوم المحتملين. ولكن مرسي لم يوافق على ذلك، نظرا لوجود انقسامات داخل قيادة الإخوان حول سياستهم الخارجية. كما كانت العلاقة بالإخوان ضرورية لإقناع الجماهير العربية بأن دعم إيران للقضية الفلسطينية هو دعم أصيل؛ حيث إن السنوات الطويلة من الاستثمارات الكبيرة في الجهاد الإسلامي، والفرع اللبناني «حزب الله»، لم تقنع العديد من العرب بأن طهران كانت مهتمة حقا بفلسطين. وعلى النقيض، مكنت العلاقات القوية بحماس، الفرع الفلسطيني للإخوان، نظام الخميني من الحصول على مصداقية أكبر فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. تعد جماعة الإخوان حركة عالمية ماثلة في أكثر من مائة دولة، فيما تعد حركة الخميني حركة حديثة نسبيا، على المشهد العالمي للراديكالية الإسلامية. ومن ثم كان بإمكان الإخوان، من من نواحي عدة، مساعدة الخومينيين على إقامة صلات وإيجاد موطئ قدم لهم في عدد من البلدان، بما في ذلك أندونيسيا، والهند، وشمال أفريقيا، ويوغوسلافيا السابقة، وبالطبع أوروبا والولايات المتحدة. وفي بعض الأحيان، كان يقيم تلك الاتصالات، محمد علي تسخيري، مبعوث الخميني الخاص للتقارب الإسلامي. وفي أحيان أخرى، كان الجنرال قاسم سلماني، رئيس فيلق القدس التابع للحرس الثوري، مسؤولا عن تلك الاتصالات. وقبل عامين، أنشأ خامنئي، كيانا جديدا أطلق عليه «الصحوة الإسلامية»، بالتعاون مع وزير الخارجية السابق علي أكبر ولاياتي، الذي أصبح السكرتير العام لذلك التنظيم، بهدف تعزيز العلاقات مع الإسلاميين الراديكاليين على مستوى العالم. وكان أكثر من نصف الأشخاص الاربعمائة الذين حضروا أول مجلس للمنظمة الجديدة في طهران، من أعضاء جماعة الإخوان المسملين من جميع أنحاء العالم. وكان يترأس وفد الإخوان المصريين كمال الهلباوي، رجل الأعمال المقيم في لندن، الذي كان مدافعا دائما عن النفوذ الإيراني في مصر. كما يوفر تكوين علاقات قوية مع الإخوان لحركة الخميني، مساحة أيديولوجية أوسع يمكن عبرها السعي لتحقيق أهداف نظام طهران سواء السياسية أو الاستراتيجية. وخلال العقود الماضية، نظم نظام طهران سلسلة من المؤتمرات الدولية، تحت شعارات مختلفة، إحياء لذكرى استحواذ الملالي على السلطة في فبراير (شباط) 1979. وحمل بعض تلك المؤتمرات، عنوان «عالم بدون أميركا»، أو «عالم بدون إسرائيل»، فيما كان يتم الترويج للبعض الآخر باعتباره ندوات لدراسة «الفلسفة الثورية» للخميني. وكانت الصلات التي يتمتع بها الإخوان على مستوى العالم، قد ساعدت إيران، أيضا، في جهودها لتحقيق الهدف الصعب، وهو تقديم خامنئي كقائد أوحد للمسلمين في العالم. فعندما كان شابا، لم يكن خامنئي يعامل بجدية كقائد ديني مهم داخل إيران، أو حتى في العراق أو لبنان، خاصة وأنه كرجل سياسة، لا يوائم النموذج التقليدي للتراتبية الدينية الشيعية. ولم يترك آيات الله في قم والنجف، مساحة واسعة له لكي يقدم نفسه كزعيم ديني. ومع ذلك، فإذا ما نجح في الحصول على قدر من الاعتراف به من الجماعات الإسلامية خارج إيران، فربما يستطيع تعزيز وضعه الديني داخلها أيضا. ولتحقيق هذا الهدف، كان نظام الخميني بحاجة إلى الإخوان وكانوا هم في المقابل مستعدين للمساعدة. ومن منظور أكثر شمولا، كان نظام الخميني يحتاج إلى الإخوان لتقليل عزلته في المجتمع الإسلامي، حيث ليس لهم حليف سوى نظام بشار الأسد الطغياني في دمشق. وبفضل العلاقات مع الإخوان، التي تمولها قطر، تستطيع طهران الآن، أن تقوم بمحاولات لتقسيم مجلس التعاون الخليجي كجزء من استراتيجيتها «لفنلندة» قطر وعمان، وتحدي الوضع القيادي للمملكة العربية السعودية في دول الخليج، فيما تعزز العلاقات مع الجماعات الإسلامية السنية في اليمن، ومن ثم تقليل الاعتماد على عملائها من الشيعة الزيدية. وبإبراز قوتها أمام الشرق الأوسط، مرورا بالعراق وسوريا ولبنان، تستطيع الجمهورية الإسلامية تعزيز وضعها من خلال الظهور كمصدر لدعم الجماعات الإسلامية في الأردن وفلسطين والولايات المتحدة، أو حتى لعقد صفقة معها. وبالتصرف على غرار القوى الانتهازية في التاريخ، حاولت الجمهورية الإسلامية تنويع محظفتها السياسية والاستثمارية؛ فطهران تدعم فصيل الأسد في سوريا، على الرغم من أنه ليست له علاقة وثيقة بالإسلام أو حتى بالشيعية. وفي العراق، كانت طهران تستثمر جهودها في السنة العرب العلمانيين والأكراد الاشتراكيين، إلى جانب فصائل الشيعة بأطيافهم المختلفة. وفي القوقاز، كانت طهران تدعم روسيا في حملتها للقضاء على الجماعات الإسلامية في الشيشان وداغستان وأنغوشيا. وفي القوقاز أيضا، كانت طهران تنحاز لأرمينيا المسيحية في مواجهة أذربيجان الشيعية. وفي كشمير، كان نظام الخميني يدعم الحكومة الهندية في مواجهة المتمردين المسلمين. ويوفر النظر للإسلام كأيدولوجيا سياسية بدلا من كونه دينا لنظام الخميني، فرصا واسعة للمناورة في الاتجاهات كافة. وهناك ملاحظة أخيرة مهمة. وهي أن الإسلامية، التي تعني التعامل مع الإسلام كأيدويولجيا سياسية بدلا من كونه دين، هي حقيقة راسخة في حياة العديد من البلدان الإسلامية، بما في ذلك إيران ومصر. ولا يمكننا تجاهل تلك الحقيقة، أو تغييرها بالقوة. فقد جرى العديد من المحاولات لتغيير الوضع بالقوة، بما في ذلك حملات القمع الواسعة التي قام بها الشاه في إيران وناصر في مصر. يجب الإقرار بأن تسييس الدين، يروق لقطاعات من مجتمعاتنا يتراوح عددها بين 5 في المائة إلى 20 في المائة. ففي الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية، جذب مرسى نحو 5 ملايين صوتا تعادل نحو 9 في المائة من مجمل الأصوات التي يحق لها التصويت. فإذا أقام الخمينيون انتخابات نزيهة، كان يمكن لخامنئي أن يحصل على نسبة مشابهة من الأصوات. ويبقى السؤال متعلقا بكيف يمكن دمج تلك الأقليات في نسيج الحياة القومية، من دون سحقهم بالقوة أو السماح لهم بتدمير الأمة برمتها.

تبعات «الربيع العربي».. ميليشيات مسلحة وفوضى ودمار تبعات «الربيع العربي».. ميليشيات مسلحة وفوضى ودمار

Image may be NSFW.
Clik here to view.
لم يكن متوقعا أن الدول التي احتفلت بإسقاط أنظمتها بثورات شعبية خلال ما عرف بـ«الربيع العربي»، تتحول خلال ثلاث سنوات من هذه التحولات الدراماتيكية، إلى ساحات للقتال والمعارك الطاحنة بين شعوبها والجماعات الإرهابية المختلفة، التي انتشرت بشكل مخيف على أراضيها، وتنتقل بؤر تمركز الإرهاب من أماكنها التقليدية في أعماق آسيا، إلى منطقة الشمال الأفريقي والجزيرة العربية. عندما اندلعت الثورة التونسية وفتحت الباب أمام الثورة المصرية، ومن بعدها وصل «الربيع العربي» إلى كل من ليبيا واليمن وسوريا، تفاءل الكثيرون، وأطلق المحللون ذلك اللقب على ما كان يجري من ثورات، ظنا منهم أن رياح الثورة ستواصل هبوبها نحو مزيد من الدول. وسادت في حينها نظرة تفاؤلية مليئة بالأحلام التي توسم كثيرون أن يحملها الربيع العربي إلى شعوب المنطقة. لكن الرياح أتت بما لا تشتهيه سفن المتفائلين. وبدلا من نسائم الحرية والديمقراطية، وبشائر الرخاء والاستقرار التي كانوا ينتظرونها، فجعت شعوب المنطقة نتيجة لانتشار الجماعات المسلحة والإرهابية بشكل سرطاني، مستغلة الفراغ السياسي والأمني الناشئ في تلك الدول. وقد ظهرت على الساحة تنظيمات عدة مسلحة، أعلنت عن نفسها من خلال عمليات إرهابية، أو التهديد بتنفيذ عمليات عنفية، مثل جماعة «أنصار بيت المقدس»، و«جند الإسلام»، و«كتيبة النصرة»، و«التكفير والجهاد» في مصر، و«درع ليبيا»، و«ميليشيات الزنتان» القبلية، و«كتائب مصراتة»، و«لواء شهداء 17 فبراير» في ليبيا، بالإضافة إلى تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا ومصر» (دالم). ولم تسلم تونس صاحبة «ثورة الياسمين» من تمدد الجماعات المسلحة على أراضيها، وتنتمي إجمالا، للتيار السلفي الجهادي، ومنها تنظيم «أنصار الشريعة»، وبعض من جهاديي سوريا ومالي العائدين. وفي اليمن انبثقت جماعة «أنصار الشريعة» فرعا لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، بالإضافة إلى جماعة الحوثيين. ناهيك عن «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» اللذين ظهرا في سوريا، الأمر الذي يدعو للتساؤل عن علاقة ثورات الربيع العربي بظهور تلك التنظيمات، التي لم يكن لها وجود سابق من قبل. وقد كشفت بيانات المكتب العربي للشرطة الجنائية، في السنوات الأخيرة، عن أنه جرى رصد 76 تنظيما وحركة إرهابية، منها 32 تنظيما عربيا صرفا. لكن حالة الانفلات الأمني التي أعقبت الثورات العربية جعلت الواقع أسوأ بكثير مما رسمته تلك الأرقام، في ظل الإعلان عن وجود ما يقرب من 1700 ميليشيا مسلحة في ليبيا وحدها. وفي هذا الإطار، يشير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى إلى أن تفريغ السجون من السجناء في البلدان التي تأثرت بـ«الربيع العربي»، أدى إلى خروج الكثير من الجهاديين، وتكوينهم لتجمعات جديدة تمثل حركات إرهابية خطيرة. حول ظاهرة التنظيمات الإرهابية المسلحة، قال اللواء محمد نور الدين، مساعد أول وزير الداخلية المصري الأسبق لـ«الشرق الأوسط»، إن كل التنظيمات الدينية المتطرفة والإرهابية، على اختلاف أسمائها، خرجت من عباءة الإخوان المسلمين، بمن فيها «القاعدة»، في إطار التنظيم الخاص الذي أنشأه حسن البنا. وأضاف نور الدين: «لقد رصدنا تنسيقا بين الظواهري والرئيس المعزول محمد مرسي، خلال فترة حكمه. وحتى تلك التنظيمات التي تتظاهر بتكفير مرسي الآن، إنما تفعل ذلك ذرا للرماد. وما يسمى بالربيع العربي لم يكن في حقيقته إلا خريفا ينطوي على مؤامرة ضد البلاد العربية، لأنه كان يرتبط بحلم الشرق الأوسط الجديد لتقسيم هذه الدول لدويلات عدة، حتى لا تكون إسرائيل وحدها الدولة الصغيرة في المنطقة. وعندما حاولوا عمل سايكس بيكو جديد للتقسيم، كان الإخوان هم العنصر الجاهز لتنفيذ هذه المهمة مقابل وصولهم إلى كرسي الحكم. وقد لعبوا جيدا على وتر شعار الثورة: (عيش، حرية، كرامة اجتماعية)، لاستقطاب الناس. لكن الخطة لم تنجح، وانكسرت شوكتهم في مصر. وقد بدأت باقي الدول تستفيق، ومنها ليبيا التي كانوا يجهزون لظهور ما يسمى الجيش الحر على أراضيها. وما كان لمصر أن تقف متفرجة وتترك هذا الاختراق لأمنها، فأصبح لنا آذان هناك، بل وأياد للدفاع عن أنفسنا، وستكون مصر هي الصخرة التي ينكسر عندها الإخوان. ولأن مصر هي دولة المنشأ ودولة المرشد، فإذا انحسر الإخوان فيها وهزموا بالضربة القاضية، فإنهم سينحسرون في ليبيا والسودان وباقي الدول». وتعليقا على الأرقام المعلنة لأعداد التنظيمات الإرهابية في المنطقة العربية، قالت إيمان رجب، الخبيرة في الجماعات المسلحة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، لـ«الشرق الأوسط»، إنه من الصعب تقدير عدد التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم، أو حتى على مستوى دول الربيع العربي، لأن الأرقام المعلنة في هذا الموضوع تعد بيانات مضللة، خاصة أن هناك نوعين من التنظيمات الإرهابية: الأول محدد القيادة والهيكل كتنظيم القاعدة، وداعش، والنصرة، والتنظيم المحلي للقاعدة في دول المغرب العربي. والثاني، عبارة عن تنظيمات بلا قيادة، وتشمل تنظيم إرهاب الفرد الواحد، أو قد يأخذ شكل الخلية التي لا يتجاوز عدد أعضائها ثلاثة أعضاء أو خمسة. وهي عادة بلا هيكل ولا قائد. وهذا النوع من التنظيمات يصعب تحديد ملامحه بدقة. ومن ثم فإن أي أرقام ترد بشأن التنظيمات الإرهابية إنما هي جزء من الصورة فقط ولا تعبر عن الظاهرة ككل. وأضافت أن ثورات الربيع العربي ساهمت في ظهور تنظيمات إرهابية جديدة شديدة التعقيد ومتعددة الأبعاد، إلا أن بعضها كان موجودا قبل الثورات، كما في اليمن، لأسباب خاصة بالبلد نفسه، حيث ظهرت التنظيمات المحلية للقاعدة في اليمن، قبل أحداث الربيع العربي، بالإضافة إلى وجود الحوثيين. وهناك تنظيمات إرهابية ظهرت لأسباب خاصة بالإحباط من الواقع السياسي أو الاجتماعي، كما في مصر وتونس. ويعود ظهورها إلى تراجع هيبة الدولة، وضعف المؤسسات الأمنية، وخروج بعض المساجين الأمنيين أثناء الثورات. أما في ليبيا، فالحالة ترتبط بحدوث انفلات أمني نتيجة لسقوط رأس النظام، وظهور حالة اللادولة. وتحذر الباحثة إيمان رجب من الثورة الإلكترونية، ودور وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار المد الإرهابي الفردي بلا قيادة، بعد أن أصبح من السهل على أي مجموعة أو حتى فرد، أن يتعلم كيف يصنع قنبلة من خلال الإنترنت. وتقول: «لذلك نجد أن كثيرا من العمليات الإرهابية يجري بقنابل بدائية الصنع، مع استثناء الحالة الليبية التي تستخدم فيها أسلحة متقدمة. وتزداد خطورة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي مع تزايد جاذبية الأفكار الإرهابية للمتعلمين والمنتمين إلى الطبقات الوسطى، حيث لم تعد قاصرة على المهمشين والبسطاء». كما حذرت من تداخل الإرهاب مع الجريمة المنظمة بتعاون الإرهابيين مع تجار السلاح والمخدرات، في إطار تبادل المصالح. وهذا ما يزيد الظاهرة تعقيدا، ويجعل المعالجة الأمنية لانتشار التنظيمات المسلحة في العالم غير كافية وحدها. وقال الدكتور حميد الهاشمي، الباحث العراقي في علم الاجتماع بالمركز الوطني للبحث الاجتماعي في لندن، لـ«الشرق الأوسط»، إن غياب الأمن وخاصة ذلك المرتبط بسلطة القانون، وانتشار السلاح يعدان أبرز سببين لانتشار الفوضى وما ينتج عنها من عنف؛ فغياب القانون يدفع الناس إلى الاحتكام إلى السلاح لحل خصوماتهم، فضلا عن اعتداء الذين لا يجدون رادعا لوقف تجاوزاتهم وأطماعهم في سلب غيرهم، أو البلطجة عليهم. وإن الطبيعة الديكتاتورية للأنظمة السابقة قد خلقت نوعا من انفصام العلاقة بين المواطن والدولة، على اعتبار أن ثمة ربطا تقليديا في الذهنية البسيطة، بين الحكومة والدولة. وبالتالي تجسد ذلك في الاعتداء على الممتلكات العامة، وفرض وجود تلك الجماعات بالقوة. وتبدى للمتابع أن هناك جماعات متعطشة للعنف وكأنها مارد خرج من قمقم. وقال: «لقد تجلى نوعان من الجماعات المسلحة التي ظهرت في أعقاب ثورات الربيع العربي، هما: الجماعات الدينية في كل حالات بلدان الربيع العربي، والميليشيات القبلية في النموذج الليبي خاصة، وأحيانا في اليمن. ووفقا لهذا التقسيم، فهناك نوعان من ادعاء الحق أو ادعاء الشرعية لدى هذين النوعين من الجماعات المسلحة (الدينية والقبلية)؛ فالدينية تدعي الشرعية الإلهية، في حين تدعي الجماعات القبلية (الشرعية الثورية). فهي التي قاتلت الديكتاتور وأسقطته، وبالتالي لا تتصور أن يجري التخلي عنها بهذه الكيفية. فهي لا ترضى الاندماج بالأجهزة الأمنية، ولا أن تحل نفسها وتعود إلى الحياة المدنية التي كانت عليها في السابق. أصبحت لديها حالة من التعايش مع السلاح، والشعور بالقوة المادية والمعنوية. إنه شعور بنشوة الانتصار الذي لا يريد أن يفارقهم». وأضاف أن هوية الجماعات الدينية وآيديولوجيتها واضحة. وهي السعي إلى مسك السلطة وفرض رؤيتها على المجتمع. في حين أن مطالب الجماعات أو الميليشيات القبلية قد تمتد إلى مديات أوسع، تحت لافتة الجهوية (المدينة أو البلدة التي تنحدر منها)، التي هي في واقع الحال قبلية، لأن المدن في هذا النموذج (الليبي خاصة)، تمثل بنى قبلية منسجمة، أي تجد مدينة تحمل اسم قبيلة معينة، ويحمل مسلحوها لافتة (ثوار تلك المدينة)، مثل ثوار الزنتان. إن هذه الصيغ من استمرار مسك السلاح والتمرد على سلطة الدولة، هي نوع من تشظي الهوية والانقسام المجتمعي. فالجماعات القبلية هذه تعبر عن هويات فرعية، وتسعى لفرض مكاسب أبعد من أن تفسر على أنها مغانم فردية يبحث عنها محاربون. وكذا الجماعات الإسلامية السلفية خاصة، تشعر باغتراب ونوع من العزلة المجتمعية إزاء منهجها العنفي، وتجد أن الحل في استمرار مسك السلاح وفرض الأمر الواقع. بالمقابل، لا يمكننا أن نتجاوز عوامل قلة التعليم في مجتمعاتنا، والظروف الاقتصادية الصعبة في غالبية بلدان الربيع العربي، وضعف تقاليد الديمقراطية التي تحتاج إلى وقت ومراحل حتى يجري تعلمها والتدرب عليها، ومن ثم هضمها وتمثيلها، لنشهد ثمار التحول. كل هذا، إلى جانب ما سبق، يمكن أن يفسر لنا هذا الانفلات. وحسبنا أن نصف المرحلة بأنها «انتقالية»، وهي حتمية، سواء طالت أم قصرت. وكلاهما، طول أمدها وكذلك قصرها، يتناسب طرديا مع عوامل الانقسام المجتمعي، والمرحلة الديكتاتورية السابقة، وثمن التغيير، أي كلما كان باهظا، طال أمد المرحلة الانتقالية. في تونس، قال الخبير الأمني والاستراتيجي الدكتور مازن الشريف لـ«الشرق الأوسط»، إن الربيع العربي - إن جازت العبارة بعد كل الموت الذي حط على المنطقة - كان فيه من باب التحقق، ملامسة لأحلام الشعوب العربية. بمعنى أن الثورة التونسية، كانت تحقق حلم الحرية والكرامة من منظور الشعوب العربية وحتى شعوب العالم. وهو بريق سرعان ما أرادت شعوب كثيرة النسج على منواله، لكن تداعي الأنظمة وقيام ثورات أخرى لم يكن عفويا ولا بريئا في معظمه. وكان هناك من استثمر في الثورات بشكل أو بآخر، كل في غاية يقصدها ومطلب يريده. والجماعات المسلحة والإرهابية طرف أساسي ضمن الأطراف المستفيدة من فوضى ما بعد الربيع، ليكونوا علامات على رياح الخريف العاتية. صحيح أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، كان له نشاط من قبل، وسبقته جماعات مسلحة ضربت بقوة في الجزائر طيلة عقد من الزمن، وفي الصومال، وأرجاء من أفريقيا، وكذا في العراق وخاصة مجموعة الزرقاوي. لكن التطور الذي أعقب الثورات جاء تطورا نوعيا ملحوظا، ينقسم في اعتقادي إلى مناطق ذروة، هي سوريا والعراق، ممثلة بالأساس في «داعش» و«جبهة النصر»، وليبيا مع امتداد إلى مالي ونيجيريا وأفريقيا الوسطى، ثم تونس عبر تنظيم أنصار الشريعة، وتنسيق مع مختار بن مختار في الجزائر وتنظيم «المرابطون»، وتنظيم القاعدة في سيناء الذي تطور إلى «دالم»، أو دولة الإسلام في ليبيا ومصر. وأضاف الشريف أن تونس كانت بداية الربيع، لكن سرعان ما أدى الفشل السياسي للحكومات المتعاقبة، والعمى الاستراتيجي، وحالات الانفلات، إلى تطور المجموعات المسلحة وتهريب كميات كبيرة من الأسلحة من ليبيا، والقيام بعمليات نوعية غير مسبوقة، مثل اغتيال السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وذبح الجنود في الشعانبي، وعمليات الروحية وقبلاط وعلي بن عون وسوسة وغيرها. إن هذا الانتشار لم يكن عبثيا، بل رصدنا وجود تنسيق وتنظيم خاضع للجيوستراتيجيا. وكمختص في الاستشراف، أعتقد أنه سيزداد انتظاما وتنسيقا ويوسع من عملياته ومن تفاعله مع بعضه، وهو ينطوي على خطورة شديدة، ومثال ذلك، إعلان درنة الليبية إمارة إسلامية. وهنالك معلومات عن وجود كل من أبو عياض، زعيم تنظيم أنصار الشريعة في تونس، ومختار بن مختار زعيم تنظيم المرابطين، القادم من الجزائر بعد فشل عملية عين أميناس، أو الهارب من مالي بعد الضربات القوية ضد تنظيمه. وعن رأيه في الظاهرة في اليمن بوصفه من دول الربيع العربي، قال الكاتب السياسي اليمني محسن فضل، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، إن العنف موجود قبل الربيع العربي، إلا أنه زاد، بنسب كبيرة، بعد اندلاع ثورات الربيع العربي مطلع عام 2011. وقد ظهر تحديدا عل الساحة العربية بشكل أقو، مما كان عليه سابقا. وسبب ذلك هو أن الربيع العربي أوجد لد جماعات العنف، منذ بدايته، حالة من الأريحية، فبدأت هذه الجماعات في تنظيم نفسها والعمل عل أن يكون لها دور في المستقبل. إضافة إل طول عمر بعض ثورات الربيع العربي، وتحولها إل حالة من حالات الحرب، الأمر الذي جعل جماعات العنف تنخرط فيه لعدد من الأسباب، إما باسم الجهاد والدفاع عن العقيدة أو من أجل التخلص من أنظمة موالية للغرب «الكافر»، حسب تلك الجماعات، أو للسببين معا، سوريا مثالا. كما أن التدخل الخارجي في التحولات الجارية في دول الربيع العربي لم يوجد بدوره نوعا من التوازن الحقيقي بين الأطراف المتصارعة في كل بلد منها، مما ولد العنف وزاد من حدته. الأهم باعتقادي هو أن ثورات الربيع العربي لم تحقق لشعوبها، حتى اليوم، نوعا من الاستقرار السياسي الحقيقي، مما أدى إلى تردي الأوضاع الأمنية بشكل عام، وساعد الجماعات المتطرفة على ممارسة أنشطتها بشكل طبيعي بعيدا عن الخوف والتستر. وتعليقا على ذلك، قالت الدكتورة هناء عبد الرحمن البيضاني، أستاذ العلوم السياسية وابنة السياسي اليمني المعروف، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، إنه مع سوء الأحوال المعيشية، وضعف الإيرادات، وسوء الأوضاع عموما، انتشرت الاحتجاجات بهذه السرعة الكبيرة في أغلب البلدان العربية، وكانت نتيجة حتمية للضغوط التي يتعرض لها الأفراد. ومن ثم كانت بدايات الربيع العربي التي اشتعلت ولا تريد الانطفاء حتى الآن. لكن علينا أن ندرك جيدا أن ثمن زعزعة الاستقرار باهظ التكلفة. وقد دفعت الشعوب العربية هذه الضريبة القاسية، وما زالت تدفعها من لحمها الحي بعد الثورات المتعددة، وفي الحالات التي انتشر فيها استخدام العنف المسلح. لكن يبقى التساؤل مطروحا: ما الذي يمكن أن يحدث عقب هذه الثورات؟ غالبا ما سنجد شيئا طبيعيا من الفوضى الاجتماعية على نطاق واسع، يصعب التنبؤ بفترة بقائه؛ لأنه غالبا ما يعتمد على الظروف المحلية، جنبا إلى جنب مع الاعتبارات الإقليمية والدولية. وبهذا يكون ما يحدث من عنف الآن شيئا متوقعا؛ لأن ثورات الربيع العربي لا تختلف نتائجها الحتمية عن السياق الآيديولوجي لنتائج الثورات الأخرى في أدبيات العلوم السياسية؛ فإذا أضفنا إلى ذلك عدم وجود قائد أو زعيم، فسنجد عدم الاستقرار والاضطراب وإشاعة الفوضى والقلاقل. وأضافت البيضاني أن الحالة اليمنية مختلفة شيئا ما عن غيرها، فكل ثورة مهما تشابهت بعض نتائجها وأحداثها مع غيرها، تبقى لها خصوصيتها لجهة مضمونها وشكلها. فلا يمكن أن نضع كل الثورات في قالب واحد؛ فاليمن دولة تعاني من مشكلات البطالة، كما ظهر فيها تصدع جديد، وتأزم الموقف بين السنة والشيعة حتى أوشك على الانفجار. فالحوثيون مثلا، أحد أبرز مشكلات اليمن الحقيقية، لأنهم يقومون بالتصعيد سياسيا وعسكريا، ولديهم مشروع مرسوم من إيران، يريدون تنفيذه من خلال استغلال الأزمة السياسية وضعف أجهزة الدولة. ولذلك يقومون بتصعيد الأوضاع الأمنية والسياسية بقرية دماج شمال اليمن، بمحاولة السيطرة عليها بشكل كامل، ومواجهة القوى الأخرى كقبائل حاشد، وإفشال أي محاولة للاتفاق على بسط سيطرة الدولة ووقف أعمال العنف. وامتلاك هذه الجماعة للأسلحة يساعدها على مواجهة جميع القوى في المنطقة، وهو أمر خطير جدا يظهر مدى الدعم الذي تتلقاه هذه الجماعة من إيران وحلفائها. وفي الجانب الآخر، هناك حراك جنوبي يحاول أن يستفيد من الأزمة السياسية والأمنية لإعادة توازن العلاقة مع الشمال. ومن ثم، فأنا أرى أن تهميش الجنوب وعدم المساواة بينه وبين أبناء الشمال، هو الأساس في المشكلة الجنوبية، مما أدي إلى ارتفاع أصوات متطرفة كثيرة - إن لم تكن غالبة - تنادي بالانفصال، علما بأن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وهو من محافظة أبين الجنوبية، كان قد حسم الجدل حول شكل الدولة الاتحادية المنتظرة، معلنا المضي نحو دولة اتحادية متعددة الأقاليم، والبعد عن المركزية، وطرحه الحوار الوطني. من ناحية أخرى، نجد ضمن المشكلات الكبيرة في اليمن وجودا لـ«القاعدة»، إذ يبدو حضورها وقوتها في اليمن ظاهرين ومتبديين في هجماتها، حيث يعد اليمن بالنسبة لها من أكبر مراكز حضورها في المنطقة. وهي تتواجه مع الدولة اليمنية، التي تتلقى مساعدة لمواجهة هذه المنظمة الإرهابية من دول عدة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. ومن هنا فإن عدم الاستقرار السياسي والأمني في اليمن يساعد «القاعدة» على البقاء وجذب من يؤمن بفكرها، ولذلك أصبحت أحد عوامل عدم الاستقرار في اليمن. وحول الحالة الليبية قال المفكر الليبي الدكتور إبراهيم قويدر، خبير الاجتماع السياسي والرئيس الأسبق لمنظمة العمل العربية، لـ«الشرق الأوسط»: «إن تسمية الربيع العربي التي تطلق على انتفاضات الشعوب العربية ضد معاناتهم من الظلم والفقر والعوز وكرامة الإنسان وحقوقه، لم يطلقه أصحاب هذه الانتفاضات، بل سميت نيابة عنهم لتزيين فعلهم بأنه سيكون الربيع الذي سيسعد فيه الإنسان العربي في هذه الأقطار. وكما سمي لهم هذا الاسم، سعى من سموه أو ساهموا في تسميته للتدخل في هذه الانتفاضات الشعبية، وتحويل مسارها وفقا لما يرغبونه لها من توجهات تسهم في تحقيق أغراضهم هم أولا، ومن ثم تكييف ما تبقى لتحقيق الأهداف التي قامت من أجلها هذه الانتفاضات. الثورات العربية، أو الانتفاضات، في بداياتها، في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وكذلك في أيامها الأولى وأسابيعها، بل وحتى أشهرها الأولى، كانت، في بعض البلدان، صادقة المشاعر، وطنية التوجه، تسعى إلى الخير والإصلاح وتغيير مسار الحكم الظالم، إلى مسار يحقق للإنسان العربي ما سبق لي الإشارة إليه. لكن العنف المفرط الذي واجهت به الأنظمة هذه المظاهرات والانتفاضات السلمية، خاصة في ليبيا وسوريا، حولتها إلى حرب ما بين شباب هذه الثورات والأنظمة الحاكمة. هذه الحرب كانت فرصة سانحة وجيدة وأرضا خصبة لدخول التنظيمات المسلحة، بدعوى دعم الثوار ضد هذا الظلم والطاغوت القذافي في ليبيا والأسد في سوريا. ورحب الشباب الثوري وبحسن نية، في البداية، بهذا العون. وكان في ليبيا أن سقط النظام القمعي وانتصر الشباب، وشهد لهؤلاء المسلحين ببلائهم الجيد أثناء المعارك، وأنهم كانوا من الأسباب الرئيسة لانتصارهم ضد القذافي وكتائبه. لكن مع مرور الوقت، اتضح أن لهؤلاء أجندات أخرى مرتبطة بأجندات خارجية تدعمها دول وتنظيمات. أفاق الشباب والشعب الليبي، وبدأوا معركة أخرى لتحرير أنفسهم وبلادهم من مئات الطغاة الإرهابيين، وحتما سينتصرون في ذلك، رغم صعوبة العملية. بالتالي، لا يمكن لنا أن نقول إن الثورات العربية الشعبية هي التي صنعت هذه المجموعات الإرهابية المسلحة، ولكنهم هم الذين انتهزوا فرصة حاجة هذه الشعوب للتصدي للاستعمال المفرط للقوة من قبل الأنظمة السابقة، فدخلوا بثقلهم في صورة العون والمساعدة وتحولوا إلى أصحاب أطماع في التسلط والسيطرة». وحول مستقبل هذه الحركات المسلحة داخل بلدان الربيع العربي، يقول مصطفى زهران، الباحث في شؤون حركات الإسلام السياسي والخبير بمركز «سيتا» للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن ثورات الربيع العربي كانت تمثل، بلا شك، أفولا قاعديا وانحسارا للقوى الراديكالية في المنطقة، خاصة بعد التحولات الكبيرة والعميقة في بنى قوى الإسلام السياسي وهياكلها، خاصة السلفية منها. ولا يعني ذلك أنه في مقابل تمدد قوى الإسلام السياسي وتصدرها للمشهد، أن القوى الراديكالية الأخرى اندثرت أو انتهت، أو في طريقها للزوال. إنما كانت تتحين الفرصة للانقضاض على مشروعيهما «المشروع الإسلامي الوليد»، و«مشروع الدولة والنظام القائم». بيد أن تعثر الإسلام السياسي، ومن ثم الإطاحة به في مصر على وجه الخصوص، كان عاملا رئيسا في بعث الحالة الراديكالية من جديد، في المشهدين السياسي والاجتماعي، خاصة بعد انضمام عناصر جديدة من داخل الحركة الإسلامية التقليدية، إلى الأخرى الراديكالية، نتيجة تصاعد روح المظلومية مجددا بين أبناء الحركة الإسلامية، لما باتوا ينظرون إليه من أحداث الثالث من يوليو (تموز) على أنه انقلاب على رئيس شرعي. تمخض المشهد عن جماعات عنف، مثل أنصار بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس، وأنصار الشريعة، لتضعنا على بدايات مرحلة جديدة مع الحالة الراديكالية «قاعدية» برداء التسعينات. وعندما يتسع الطوق ويجري الحديث عن المشهد السوري، نجد أن المذهبية لعبت دورا رئيسا في تزكية الاقتتال الطائفي. ولا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال دور «حزب الله» وإيران في إشعال نار الفتنة. كل هذه العوامل دفعت نحو مزيد من الوجوه الراديكالية في المنطقتين العربية والإسلامية. وفي ظني أن الحل الأمني وحده ليس كافيا، بل من الأهمية بمكان إعادة النظر في إقصاء تيارات الإسلام السياسي عن المشهد المصري، ولزوم دمجه مرة أخرى لكي تتوحد الرؤية في التعامل الاستئصالي مع جماعات العنف. ومطارحة الفكر ومجابهته بالفكر وليس من خلال القنوات الأمنية وحسب. ولا يعني هذا انتفاء التعامل الأمني، إنما تنظيمه ووضعه في إطار القانون بلا إفراط أو تفريط. ورغم كل هذه التحليلات، فإن رئيس هيئة البحوث العسكرية الأسبق اللواء محمود خلف، الخبير الاستراتيجي في أكاديمية ناصر العسكرية، يرى شيئا آخر؛ فقد أكد لـ«الشرق الأوسط» أن كل ما يتردد عن تلك التنظيمات الإرهابية لا وجود له على أرض الواقع، وأنه لا يوجد تنظيم إرهابي سوى الإخوان المسلمين، وفيما عدا ذلك توجد خلايا أو أفراد. وقال: «أراهن أن ما يطلق عليه (القاعدة) ليس له وجود، وكل ما يطرح من أسماء لتنظيمات إرهابية هي غير موجودة، وإنما يثار فقط للتخويف وإرهاب الناس. وحتى ما يثار على الحدود الليبية يرجع في حقيقته إلى ظاهرة تهريب السلاح، وهي عمليات يجري قصفها». وأضاف أن إطلاق «الربيع العربي» على ما حدث ليس صحيحا، لأنه لم يكن سوى مؤامرة كاملة الأوصاف في إطار نظرية الفوضى الخلاقة التي دعت إليها رايس باستغلال عدم ثبات بعض الأنظمة في المنطقة، ومنها مصر. ولكن في كل الأحوال، فإن الفوضى لا يمكن أن تخلق إلا الفوضى، والواقع في الدول العربية يؤكد ذلك. لكن وضع مصر مختلف، باعتبارها صاحبة أقدم نظام دولة وأقدم جيش، ولهذا كانت متفردة ومتميزة في مواجهة الأمر، بدليل مضيها قدما وعدم تعطلها في خطة الطريق، رغم كل محاولات الإخوان الإرهابيين. إن ما يفعلونه هو مجرد طبل أجوف.

لبنان ومخاوف سباق الرئاسة الطويل لبنان ومخاوف سباق الرئاسة الطويل

Image may be NSFW.
Clik here to view.
للوهلة الأولى، يجب ألا يزيد منصب رئيس لبنان على وصف الرئيس هاري ترومان لمنصب نائب الرئيس الأميركي: «كتلة من لا شيء»! فمنذ اتفاقية الطائف عام 1989 التي أنهت حربا أهلية استمرت أربعة عشر عاما، فقد منصب الرئاسة اللبنانية معظم سلطاته التنفيذية، وأصبح منصبا رمزيا إلى حد كبير، بينما يدير البلاد مجلس وزراء برئاسة رئيس الوزراء والبرلمان ذي المجلس الواحد. بل وفقدت الرئاسة مزيدا من قيمتها، عندما أمر النظام البعثي في دمشق بتمديد فترة الرئيس السابق، إميل لحود. واستمر هذا «اللاشيء» في جذب منافسة حماسية من البعض وصراع محموم من كثيرين. كان لتغيير وضع الرئاسة نتائج كثيرة، احتاجت تأثيراتها أعواما عدة لكي يظهر. وكانت أولى النتائج، كشف زيف الأسطورة التي تقول إن لبنان أرض المسيحيين في الشرق. فبعد تفكك الإمبراطورية العثمانية، حاولت فرنسا متجاهلة الادعاءات العلمانية في جمهوريتها وبصفتها سلطة منتدبة، أن تكون دولة ذات أغلبية مسيحية في المنطقة. ولفترة ما، حاول الدارسون الفرنسيون، أيضا، ضخ عنصر عرقي في المزيج، بوسائل من بينها إحياء أسطورة مجتمع الفرنجة المتبقي من الحملات الصليبية، ولكنهم فشلوا. تتكون الغالبية العظمى من اللبنانيين من العرب، ويتسبب في انقساماتهم الطائفية اختلاف الدين وليس العرق، إن وجد مثل هذا الاختلاف. وقد مكّن احتفاظ الجماعة المارونية بالرئاسة، ضمن الترتيب الدستوري، من أن تحمل الدولة اللبنانية سمة مسيحية. ولكن حتى في ذلك الوقت، نظرا لأن الرئيس جاء من الموارنة مع إقصاء بقية المسيحيين، كان التأكيد على الطائفة وليس الدين. وهكذا كانت اتفاقية الطائف انتكاسة للموارنة، وليس لجميع المسيحيين في لبنان. أما النتيجة الثانية، فهي جعل السلطة التنفيذية أكثر عرضة للمساءلة أمام البرلمان، ومن خلاله أمام الشعب عامة. ومن ثم أصبح رجل واحد، ممثلا في شخصية الرئيس، غير قادر على الاعتراض بفاعلية على القوانين التي يمررها برلمان منتخب. وكان لتغيير وضع منصب الرئاسة نتيجة ثالثة، إذ جعل من الأصعب على القوى الخارجية، وضع أجندة سياسية للبنان، برشوة رجل واحد أو ابتزازه. في فترة الخمسينات، استطاعت الولايات المتحدة وحلفاؤها، ومن بينهم إيران، وضع أجندة سياسية في لبنان، بفضل علاقاتهم الوطيدة مع الرئيس كميل شمعون. وفي السبعينات، علم السوريون أنهم يستطيعون أن يسيطروا على لبنان بفضل الرئيس سليمان فرنجّية. وفي عام 1982 اعتقد الإسرائيليون أنه نظرا لأن الرئيس بشير الجميل كان رجلهم، فقد فازوا بالسيطرة على لبنان. * تقليص السلطات الرئاسية * ولكن بعد اتفاقية الطائف، لم يعد في إمكان القوى الأجنبية المهتمة بلبنان، وضع جميع أوراق رهانها على الرئيس. في أثناء رئاسة إميل لحود، لم يفعل شيئا من دون موافقة الحكم في دمشق، ولكن لم يتمكن السوريون، رغم وجود جيش احتلال لهم في لبنان، من تحقيق كل ما يريدون على الدوام. ورغم فقدان معظم سلطات المنصب، فإن الرئاسة اللبنانية ما زالت تحتفظ بقدر من الأهمية السياسية. بداية، يعد الرئيس بصفته على رأس الدولة ممثلا رمزيا عن الشعب. وهذا بالفعل يُحدث فارقا: كان شمعون الذي اتسم بشخصية بارعة وساحرة وأرستقراطية، مختلفا تماما عن فرنجية الذي اتصف بروح قتالية. يلي ذلك، أن انتخاب الرئيس يكون لمدة ستة أعوام، وبهذا يضمن الوضع الدائم للدولة بعيدا عن الصراعات الحزبية التي تسفر عن صعود الحكومات وسقوطها. في إطار السلطات الحالية، لا يستطيع الرئيس رفض قرارات مجلس الوزراء أو البرلمان، لكنه يستطيع أن يؤخر التشريعات لأسابيع عدة، وبذلك يمنح فرصة للمعارضين المحتملين لتقديم حججهم إلى المجلس التشريعي والشعب مرة أخرى. ويستمر الرئيس في حضور اجتماعات مجلس الوزراء، ولكنه لا يملك حق التصويت. بيد أن حضوره في حد ذاته، يؤكد على تخفيفه لحدة الطريقة التي يدير بها مجلس الوزراء الأعمال. على أقل تقدير، يعد الرئيس شاهدا على ما يجري، ودائما ما يستطيع أن يدلي بشهادته أمام الأمة. يستطيع أي رئيس صالح أن يلطف من الحدة، ويكون الشخص الذي يلجأ إليه الوزراء المتنافسون للتعبير عن شكواهم، والوسيط القادر على تقديم آلية تحفظ ماء الوجه في ظل تحولات مجلس الوزراء الداخلية. منذ البداية، حين تولت الرئاسة شخصية حظيت بالإجماع، كانت الرئاسة اللبنانية قيمة ثمينة للأمة. وكان فؤاد شهاب شخصا أقرب إلى الأب لمعظم اللبنانيين، ومن بينهم من لم يشاركه أفكاره السياسية التي ترجع إلى القرن التاسع عشر. وعلى النقيض، لم يكن في استطاعة شخص مثل بشير الجميل، أن يكون إلا عاملا للانقسام، بينما تسبب إميل لحود في إحداث ارتباك. وهكذا يكون العثور على مرشح مناسب للمنصب، حتى في صورته المصغرة، مهمة ليست بالهينة. أولا، يجب أن يجد المرء شخصا يتمتع بقاعدة حقيقية من التابعين من الموارنة. وهذا أمر يسهل قوله ولكن يصعب تنفيذه. رغم حقيقة أن الموارنة الآن طائفة معرضة للخطر، فإنها تمثل مجتمعا يشهد انقسامات عميقة، حتى وفقا للمعايير اللبنانية. بالطريقة التقليدية، يخرج المرشح الحائز على إجماع من بين عشر أو نحو ذلك من الأسر المالكة للأراضي من الطبقة الأرستقراطية، في حين بالكاد يكون للموارنة من الطبقات الوسطى والفقيرة أي رأي. كما تملك الهيئة الدينية بعض النفوذ فقط فيما يتعلق بالعشائر السائدة، بالإضافة إلى نفوذ فرنسا، وبداية من الخمسينات وما بعدها الولايات المتحدة أيضا. غير أن العائلات التقليدية، تمثل في الوقت الحالي، ظلا شاحبا لمجدها المنصرم. ونظرا للهجرة الجماعية التي انتشرت عبر العقود، متزامنة مع نقل ثرواتها إلى أوروبا والأميركتين، لم تعد تلك العائلات تملك النفوذ الاقتصادي والمالي الذي كان لها في الماضي. في الوقت ذاته، اكتسب الموارنة المنتمون إلى الطبقتين الوسطى والفقيرة، درجة من الوعي الذاتي الذي لم يكن مطروحا حتى الجيل الماضي. وبفضل التحويلات المالية من الأقارب في الخارج، أصبح كثير من المسيحيين أكثر ارتياحا بما يكفي لكيلا يعتمدوا على الشبكات التي كانت تديرها العائلات الثرية التقليدية. وهكذا يحتاج أي مرشح يحظى بإجماع اليوم، إلى أن يحصل على تأييد العناصر التي لم تكن توضع في الحسبان منذ عقود عدة ماضية. في الوقت ذاته، خفت النفوذ الفرنسي، في حين تراجعت الولايات المتحدة في ظل رئاسة باراك أوباما. ولا يكفي للمرشح أن يوحد المجتمع الماروني من خلفه، بأن يتجاوز جميع الانقسامات الآيديولوجية والطبقية. بل يجب أيضا على الطامح إلى المنصب أن يكون مقبولا لدى الجماعات المسيحية الأخرى. وحتى مع ذلك، سيواجه الطامح إلى الرئاسة، عقبات أخرى عليه أن يجتازها. يجب عليه الفوز بقدر من التأييد الضمني على الأقل من الجماعات الشيعية والسنية المسلمة، التي تشكل نحو 75 في المائة من السكان، بالإضافة إلى الدروز. وهنا يوجد أمر مثير للاهتمام. يبدو أن اللبنانيين لا يمانعون في أن يتولى المناصب الأخرى، بما فيها رئيس الوزراء، شخصيات حزبية تثير الشقاق، ولكنهم يريدون أن يكون رئيسهم شخصية موحِدة. لا بد أن يكون الرئيس اللبناني المثالي، شخصية ذات كاريزما كافية، تضمن قدرا من التعاطف عبر جميع الحدود الطائفية. في الوقت ذاته، يجب أن يكون مداهنا بما يكفي لكي لا يبدو مهددا للسياسيين الطموحين من الطوائف الأخرى. قد يستطيع رئيس يتمتع بكاريزما عالية أن يصبح «أبا للأمة»، وبهذا يُهمش الزعماء الطموحين في الجماعات الأخرى. * يبدو غير مهم ولكنه مهم * يعني ذلك أن الرئيس اللبناني المثالي، رجل يمكن أن يبدو بسهولة وكأنه غير مهم، في حين أنه مهم بالفعل. أعرف اثنين استطاعا أن يحققا هذا المزيج المتناقض، وإن كان ذلك بطرق مختلفة، هما: شهاب وميشال سليمان، الرئيس المنتهية ولايته. تصبح الأمور أكثر تعقيدا عندما نضع في اعتبارنا الدور الذي تقوم به قوى إقليمية عدة، أبرزها الجمهورية الإسلامية في إيران، وحليفتها سوريا، ناهيك عن الدول العربية، في التأثير على الأجندة السياسية في لبنان. وعلى مثل تلك الخلفية، لا يجب أن تفاجئنا حقيقة مواجهة جهود البحث عن رئيس لعقبات كثيرة. في الجولة الأولى من التصويت الذي أجري في البرلمان في 23 أبريل (نيسان)، حصلت الأصوات الباطلة، التي بلغت 52 صوتا، على كتلة الأغلبية داخل البرلمان الذي يضم 124 عضوا. وذهبت كتلة التصويت التالية، التي ضمت 48 صوتا، إلى سمير جعجع من القوات اللبنانية، بينما حصل هنري الحلو، الذي اختاره وليد جنبلاط زعيم كتلة اللقاء الديمقراطي، على المركز الثالث بـ16 صوتا. وتشير حقيقة حصول أمين جميل، الرئيس السابق زعيم حزب الكتائب، على صوت واحد فقط، إلى الانحسار التاريخي للعشائر المارونية التقليدية. يدور جدل في بيروت، حول أن الأصوات الباطلة البالغ عددها 52 صوتا، ترجع إلى ميشال عون الذي، رغم عدم ترشحه رسميا، يمثل مشكلة كبيرة لا يتطرق إليها أحد. يتزعم الجنرال المتقاعد ميشال عون، التيار الوطني الحر، ويُنظر إليه على المستوى العام, على أنه المرشح المفضل لحزب الله اللبناني، بيد أن عون يواجه ثلاث مشكلات على الأقل: المشكلة الأولى، هي أنه شخصية مثيرة للشقاق على نحو بارز. ففي شهر أبريل الماضي، كان يتحدث عن نفسه كشخص مفضل لدى طهران، وكان مشاركا أيضا في المباحثات مع قوى 14 آذار في باريس، مع عرض بالعمل على تقويض النفوذ الإيراني في لبنان. يملك عون الكثير من المؤيدين الأقوياء في طهران، منهم داخل الحرس الثوري الإسلامي الذي يعده أفضل الخيارات السيئة. ولن يتمكن عون، الذي يبلغ من العمر 81 عاما، من تكوين معارضة استراتيجية لنفوذ إيران، حتى لو حاول ذلك. ولكن هناك كثيرون في طهران لا يحبون عون، وبشكل خاص، بسبب تعاونه مع صدام حسين أثناء الحرب بين إيران والعراق. وقد تساءلت افتتاحية نشرتها وكالة أنباء إيرنا الرسمية في شهر مارس (آذار) الماضي: «كيف يمكننا أن ننسى أن هذا الرجل عمل لصالح العدو الأول لإيران على مدار سنوات كثيرة؟». ويشير الكثير من المحللين في طهران، أيضا، إلى ما يعدونه «الأنا المتضخمة» التي يعاني منها عون وميوله الانشقاقية. في ظل عدم استطاعة الفرع اللبناني لحزب الله اتخاذ قرار مهم قبل الحصول على موافقة بشأنه من طهران، سوف يحتاج عون إلى تناول مشاكله مع القيادة الإيرانية قبل أن يُقدم على دخول المنافسة. وحتى مع ذلك، من غير المرجح أن يحصل عون على الأغلبية المكونة من ثلثي الأعضاء، المطلوبة للفوز في الجولة الأولى من المفاوضات. وإذا فاز في الجولة الثانية، فسوف يبدأ كرئيس اختارته أغلبية نسبية بدلا من أن يكون رمزا للإجماع الوطني. يواجه عون مشكلة أخرى، وهي أن حزب الله لن يقبل به إلا إذا أثبت أنه «صديق للمقاومة». يعني ذلك، أن يقبل رسميا بوجود الميليشيا الشيعية ككيان مواز للجيش اللبناني – كيان يتلقى تسليحا وتمويلا من إيران، كما يخضع لسيطرتها. في فترة الثمانينات، وصف عون نفسه، بأنه «ديغول اللبناني»، وتعهد بأن «يطهر» بلاده من الاحتلال الأجنبي، وكان يعني في ذلك الوقت، وجود الجيش السوري. ولكن أصبح عليه الآن ابتلاع ما هو أكثر مرارة منه: الهيمنة الإيرانية. إذا فعل ذلك، فسيكون الفريق قاسم سليماني وليس الجنرال السابق عون هو رئيس لبنان. علاوة على ذلك، سوف يكون على عون اجترار مرارة أخرى بوقوفه في صف الأسد في حملته لقمع الشعب السوري من أجل إخضاعه. وبذلك قد ينتهي الحال بعون خاضعا لاستغلال من كان يحاربهم لمدة تزيد على عقدين؛ وليست هذه أفضل وسيلة لكي يصبح ديغول لبنان. في سبيل تجنب هذا المصير المؤسف، يدعو عون إلى نظام جديد للمشاركة في السلطة، يكون بموجبه في استطاعة الرئيس، يعني هو، السيطرة على ثلث مجلس الوزراء من خلال إرساء قاعدة أن «القرارات الرئيسة ذات الأهمية الوطنية» تتخذ بموافقة أغلبية الثلثين. يمنح هذا النظام لعون حق الاعتراض الفعّال على قرارات البرلمان والحكومة. وسوف يمتلك تيار 8 آذار بقيادة حزب الله، وتيار 14 آذار بقيادة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، أيضا، حقي اعتراض باختيار كل منهما لثلث أعضاء مجلس الوزراء. وبهذا سوف يسمح مثل هذا النظام لعون، بالقيام بأمور كثيرة من خلال قرارات رئاسية، في حين تتعرض الحكومة للعجز بشأن قضايا رئيسة. أما بالنسبة لجعجع، الذي يطلق على نفسه «الراهب المحارب»، فيجب أن يعلم أنه لا يستطيع أن يكون شخصية موحِدة تحظى بالإجماع الذي يحتاج إليه لبنان اليوم. يتطلب انتخاب الرئيس، حتى ولو بأغلبية بسيطة، حضور ثلثي أعضاء البرلمان. ويستطيع كل من تياري 14 آذار و8 آذار تعطيل العملية بسهولة، بمقاطعتهما للجلسات المتعلقة بالانتخاب. سوف يترك ذلك خيارا واحدا مطروحا: مد فترة الرئيس سليمان المنتهية ولايته. ولكن ذلك أيضا احتمال صعب الوقوع، على الأقل لأن سليمان كان قاطعا في رفضه لأن يكون طرفا في مثل تلك الخدع. حتى لو غير سليمان رأيه، تظل حقيقة أنه لم يعد يتمتع بالترحيب ذاته في أي من طهران أو دمشق. في الدوائر السياسية في بيروت، تتردد أسماء عدد من الشخصيات التي قد تحظى بتأييد. من بينهم قائد الجيش الجنرال جان قهوجي، الذي يشترك مع عون في «طبقته الشعبية» وخلفيته العسكرية، في حين أنه لا يتسم بالعيوب التي تشوب الجنرال السابق، وخاصة حب الذات والمزاج السيئ. يمكن أن يعد قهوجي أيضا، استمرارا لنهج يتولى فيه منصب الرئيس رجال عسكريون، كما في كثير من الدول العربية بما فيها لبنان ذاته. كما يتردد اسم آخر، أبرز من تذكره وسائل الإعلام الإيرانية، هو رياض سلامة، محافظ البنك المركزي اللبناني. رغم أن الفرع اللبناني لحزب الله لا يبدو حريصا على سلامة، فإنه يرى في فصيل رفسنجاني - روحاني في طهران، فيما يبدو، شريكا مقبولا. من الممكن أن يكون مرشح الحل الوسط أيضا، وزير الخارجية الأسبق جان عبيد، الذي يتمتع بقدر من التأييد والاحترام من كل طهران ودمشق. بغض النظر عما ستؤدي إليه المخاوف الحالية من سباق الرئاسة المرتقب، توجد ثلاث نقاط مؤكدة: أولا، لا يوجد استعداد في لبنان لإذكاء التوترات إلى درجة قد تؤدي إلى صراع مفتوح، ناهيك عن حرب أهلية أخرى. والشعب اللبناني محصن ضد ذلك على الأقل لمدة جيل آخر. ثانيا، لا يمكن كسر الجمود الراهن بإقصاء أي من القوى الخارجية المشتركة في الوضع اللبناني المعقد. وسيكون أكثر الطرق حكمة هو الوصول إلى حل وسط إقليمي واسع، يمنح مساحة للتنفس، يمكن خلالها تناول قضايا أخرى أكبر حجما. وفي ظل غموض المسار المستقبلي للسياسة الخارجية الأميركية، على الأقل حتى تنتهي فترة رئاسة أوباما، لن ينتظم النموذج الجديد الناشئ من تحالفات وتحالفات مضادة قبل مرور الكثير من الأعوام. في الوقت ذاته، سوف يكون من الحماقة أن يحاول تحالف طهران - موسكو وخصومهما الإقليميين فرض مرشح مثير للشقاق قد يدفع بلبنان نحو الحرب. وليس من الذكاء تبني الاحتمال الذي يقضي بأنهم إذا فككوا لبنان سوف يكسبونه في ظل تلك الفترة من الغموض السائد في المنطقة، لا سيما في سوريا المجاورة. وأخيرا، يجب أن يبدأ اللبنانيون في التفكير في الإصلاحات اللازمة، من أجل السماح لنظامهم القائم على الطائفية، بأن يتكيف مع الطموحات والتهديدات الجديدة. فرغم الانقسامات الطائفية، تشترك الغالبية العظمى من الشعب اللبناني في شعور اللبننة، وهو أقوى من القوميات المصطنعة في دول عربية أخرى. يواجه لبنان مخاطر كبيرة، ولكن وسط الخطر توجد فرصة أيضا.

بعد مرور سنة على انتخابه.. هل التزم الرئيس الإيراني وعوده؟ بعد مرور سنة على انتخابه.. هل التزم الرئيس الإيراني وعوده؟

Image may be NSFW.
Clik here to view.
ما الوعود التي أطلقها حسن روحاني خلال حملته الرئاسية في قطاع السياسة الداخلية، والخارجية، وملفات الاقتصاد والصحة والبطالة؟ وهل تمكن الرئيس الإيراني من تحقيقها؟ ما الإنجازات والإخفاقات خلال عام واحد من توليه الرئاسة الإيرانية؟ يتناول التقرير التالي أداء حكومة روحاني في مجال «حرية التعبير ووسائل الإعلام»، و«الرقابة، ومنح ترخيص إصدار الكتب»، و«ملف المعتقلين السياسيين»، و«قطاع الرعاية الصحية»، وملف الاقتصاد وواقع العملة الإيرانية، والتضخم والبطالة، إضافة إلى الملف الأبرز المؤثر في حياة كثير من الإيرانيين «الملف النووي» بكل تقاطعاته الداخلية والخارجية، وانعكاساته على الفرد الإيراني. هنا نحاول أن نقدم رصدا وتقييما شاملا لأداء الرئيس حسن روحاني بعد مرور عام على توليه مقاليد السلطة. في مايو (أيار) الماضي قال الرئيس الإيراني حسن روحاني في حوار تلفزيوني: «سأفي بالوعود التي قطعتها للشعب خلال حملة ترشحي للانتخابات الرئاسية في 11 أبريل (نيسان) 2013». يرى بعض موالي روحاني في شبكات التواصل الاجتماعي، وعدد من وسائل الإعلام، أن التصريحات المذكورة هي في الحقيقة دعوة «للتحلي بالصبر» لرفع الإقامة الجبرية عن المرشحين السابقين للانتخابات الرئاسية في 2009. وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، إذ شكل هذان المطلبان أحد الشعارات التي وعد روحاني بتحقيقها خلال حملته الرئاسية. وقد أكد روحاني خلال الحوار الذي أجراه مع «الشرق الأوسط» قبل الانتخابات الرئاسية، العام الماضي، على ضرورة تحقيق هذه المطالب. روحاني قال خلال الحوار المذكور: «كنت مستشارا للأمن القومي الإيراني لمدة 16 عاما في حكومة رفسنجاني وخاتمي، لذلك أنا على دراية بالتعامل مع الملفات الحساسة. سأبذل كل جهودي لإطلاق سراح، الذين اعتقلوا خلال الأحداث المؤسفة في 2009. أنا أعلم أن الصلاحيات التي يمنحها القانون لرئيس الجمهورية في إيران لا تتجاوز رئاسة السلطة التنفيذية. ولكنني متفائل بإمكانية حصول توافق داخلي لضرورة تحسين أوضاع السادة موسوي، وكروبي». بعثت هذه التصريحات الأمل في نفوس كثير من الإيرانيين، غير أن هذه الوعود لم يجر تطبيقها على أرض الواقع بعد مرور عام على إطلاقها، فلم يجر تحسين وضع السجناء السياسيين، ولم يجرِ رفع الإقامة الجبرية عن موسوي، وكروبي. قد أعادت إحالة ملفهما إلى المجلس الأعلى للأمن القومي الأمل بالتغيير، ولكنه لم يتمخض عن أي نتيجة تذكر حتى الآن. وما زالت حملة الاعتقالات، والاستجواب، وإصدار أحكام قاسية بحق النشطاء المدنيين والسياسيين متواصلة. أطلقت السلطات الإيرانية في سبتمبر (أيلول) 2013 سراح عدد من المعتقلين السياسيين على غرار «نسرين ستودة»، و«فيض الله عرب سرخي»، و«مهسا أمر آبادي»، و«مير طاهر موسوي»، وغيرهم، مما بعث أجواء إيجابية في المجتمع. وقد أوعز العديد هذه التدابير لحكومة روحاني، ولكن هذه العملية توقفت عند هؤلاء، ولم تشمل سجناء آخرين. وقضى بعض المعتقلين الذين جرى اعتقالهم بعد احتجاجات الانتخابات الرئاسية في 2009 خمسة أعوام في السجون، هذا فضلا عن سائر المحكومين بأحكام تتراوح لمدة أكثر بكثير، فهؤلاء ما زالوا يعدون الأيام التي سيقضونها في السجون. * أحكام الإعدام في تصاعد * شهدت وتيرة الإعدامات ارتفاعا خلال العام الماضي، وكان تنفيذ أحكام الإعدام بحق 16 شخصا في إقليم سيستان وبلوشستان، إثر العمليات المسلحة من قبل جيش العدل في هذه المنطقة، من أكثر الإعدامات إثارة للجدل. ونفذت السلطات حكم الإعدام في هذه الفترة بحق السجينين السياسيين الكرديين وهما «حبيب غولبري بور»، و«شيركو معارفي». كما سجلت الإعدامات التي نفذتها السلطات بحق سجناء غير سياسيين ارتفاعا. وقال محمود أميري مقدم الناطق باسم منظمة حقوق الإنسان الإيرانية التابعة للائتلاف الدولي ضد عقوبة الإعدام خلال حوار مع موقع «روز أونلاين» الإلكتروني: «جرى إعدام 312 شخصا بعد الانتخابات الرئاسية حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، حيث صادقت السلطات القضائية على 184 حكما للإعدام، وجرى إبلاغ 128 من الإعدامات إلى منظمات حقوق الإنسان بشكل غير رسمي». ونفذت السلطات حكم الإعدام بحق أحد سجناء الرأي «غلام رضا خسروي» في مطلع يونيو (حزيران). وأصدرت محكمة في مدينة رفسنجان الحكم الابتدائي القاضي بعقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات بحق خسروي في 2007. لكونه مواليا لمنظمة مجاهدين خلق المناهضة للنظام. وأجرت محكمة الثورة في طهران تعديلا على الحكم وتحويله إلى عقوبة الإعدام. وأثارت عملية اقتحام عنبر السجناء السياسيين في سجن إيفين في أبريل (نيسان) خلال تفتيش مأموري السجن للعنبر المذكور، جدلا واسعا في إيران. وقال المتحدث باسم الحكومة محمد باقر نوبخت في تصريح صحافي، على أثرها، إن «وزارتي العدلية والأمن ستقدمان المعلومات اللازمة حول أحداث سجن إيفين إلى البرلمان». ولكن البرلمان لم يتلق أي تقرير بهذا الخصوص حتى الآن. وأكد نوبخت أن الحكومة ستتابع الأمر. ويعتقد البعض أن حكومة روحاني قد تحتاج لمزيد من الوقت لمتابعة قضية الزعيمين المعارضين مير حسين موسوي ومهدي كروبي، والمعتقلين السياسيين، غير أن استمرار الاعتقالات وتنفيذ الأحكام القضائية بحق النشطاء يجعلان الظروف لحلحلة ملف المعتقلين صعبة. * ملاحقة الصحافيين.. قبضة الرقابة * في العام الماضي، نشر موقع الحملة الرئاسية لروحاني كتابا يتناول برنامج حكومة «التدبير والأمل» في خضم الانتخابات الرئاسية. تمحور الكتاب حول سياسة «الثقافة الإعلامية، والإعلام الثقافي». وتضمنت هذه السياسة ثلاثة مواضيع مختلفة، وهي «توفير مكانة مستقلة لتنمية الاتصالات في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية»، و«تعديل قانون الصحافة، وإقامة نظام إعلامي شامل»، و«تقوية الثقافة الإعلامية، والتدريب على مفهوم الصحافي المواطن». وتفيد الإحصاءات بأن وزارة الثقافة والإرشاد لم تدرج هذه البرامج على أولوياتها. أطلق حسن روحاني، وخلال أول مؤتمر صحافي له بعد الفوز بمنصب الرئاسة، وعودا «بإعادة فتح النقابة المهنية للصحافيين، وتنشيط جميع النقابات المهنية وفقا للقانون». لكن يبدو أن أحد الموانع لإعادة فتح النقابة المهنية للصحافيين هو العراقيل التي تضعها وزارة العمل بهذا الشأن. وقال سكرتير اللجنة القانونية التابعة لنقابة الصحافيين كامبيز نوروزي في تصريح لموقع «تدبير» الإلكتروني: «إن التعامل الباهت لوزارة العمل في الحكومة الجديدة بشأن النقابة المهنية للصحافيين، الذي لم يكن حتى على مستوى الحكومة السابقة، هو أحد الموانع لإعادة فتح النقابة المهنية للصحافيين». وخلال العام الماضي جرى إيقاف خمس مجلات إيرانية، إذ تم إيقاف مجلة «9 دي»، وجريدة «ابتكار»، فيما لا تزال صحف «آسمان»، و«بهار» (قانون) قيد الحجز. وفيما يتعلق بالاعتقالات، وأحكام السجن بحق الإعلاميين، فالوضع لم يختلف كثيرا في هذا العام عن الأعوام الأخرى. إن الخلاف الوحيد هو ظهور الحرس الثوري كلاعب رئيس في إدارة هذه الملفات، في حين انسحبت وزارة الأمن من حملة الاعتقالات بحق الصحافيين. وأصدرت السلطات القضائية على غرار السابق أحكام العقوبات بحق النشطاء، حيث وصلت أحكام السجن الصادرة بحق نشطاء الشبكات الاجتماعية إلى 20 عاما، ومحاولة بأن تظهر بأن فوز روحاني بمنصب الرئاسة لم يؤد إلى تغيير في مسار الأحكام القضائية. واعتقلت السلطات الإيرانية الصحافية الناشطة في حملة روحاني الرئاسية «فريبا بجوه» في يوليو (تموز) 2013 بعد تولي روحاني السلطة، وهي تعد أول صحافية جرى اعتقالها في ظل الحكومة الجديدة. وآخر عمليات الاعتقال كان من نصيب الصحافية في جريدة «اعتماد» «صبا أذر بيك» في مايو (أيار) 2014، وذلك بالتزامن مع اقتراب ذكرى الانتخابات الرئاسية. كما أن أوساط الإعلاميين شهدت اعتقالات أخرى بحق أعضائها. وقال مسؤول القسم الاجتماعي في جريدة «شهروند» الإيرانية «أفشين أمير شاهي» في تصريح لـ«الشرق الأوسط» منذ فترة حول الحريات الإعلامية: «شهدنا بالتأكيد انفتاح الأجواء مقارنة مع السابق. كانت الأجهزة الحكومية في السابق تتعامل بشکل انتقائي، وبصرامة، وقسوة مع وسائل الإعلام المنتقدة. وكانت ترفع الشكاوى ضد الصحافيين، وتقيم مؤتمرات صحافية بمشاركة مندوبي وسائل الإعلام التي كان يجري انتقاؤها. لم تحدث معجزة بعد، ولكن الظروف شهدت تحسنا، ونستطيع أن نتنفس الصعداء. ما زلنا نشعر بالقلق من الاعتقالات». ورغم الموقف الحكومي الواضح من الرقابة، فإن بعض المشاكل في قطاع الكتاب والرقابة ما زال قائما. مدير العلاقات العامة لدار «ققنوس» للنشر في طهران أحمد تهوري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» منذ فترة قال: «لا يمكنني أن أقول إننا لم نشهد تغييرا ملحوظا في الحكومة الجديدة، فهناك كتب حصلت على رخص للإصدار، كما أن بعض الكتب الممنوعة في الحكومة السابقة حصلت على رخص». وقد أدلى المترجم الإيراني خشايار ديهيمي لوكالة «إيسنا» للأنباء بتصريحات تدعو للتأمل، حيث قال: «الرقابة لم تشهد تخفيفا في الحكومة الجديدة، والبيروقراطية هي البيروقراطية نفسها التي كانت موجودة قبل ذلك». وأضاف ديهيمي: «يطالبون بحذف أبسط العبارات على غرار كلمة (الحلوة) من النص. من الذي يتولى قراءة الكتب وفرض الرقابة عليها؟! هذا أمر مثير للاستغراب». * روحاني وقطاع الصحة.. خطوات أولية ناجحة * تدل مراجعة البرنامج الذي قدمه حسن روحاني، خلال حملته الرئاسية، بشأن الخدمات الصحية، على أن الإجراءات الحكومية في هذا القطاع كانت أنجع، مقارنة مع القطاعات الأخرى. وتتضمن برامج روحاني لقطاع الرعاية الصحية «العمل على سحب جميع مصادر التشويش على الأقمار الصناعية»، و«توفير وقود البنزين التي تتوافق مع مقاييس يورو 4، ويورو 5 للاستهلاك المحلي»، و«إقامة نظام صحي شامل»، و«توفير خدمات التأمين الصحي للإيرانيين»، وغيرها. وأشار روحاني في البرنامج الذي قدمه للبرلمان خلال حفل أداء اليمين الدستورية إلى محورين رئيسين في قطاع الصحة، وهما «تطوير نظام خدمات الرعاية الصحية، وتطوير البنى التحتية، والموارد، وقطاع الاتصالات التابع للرعاية الصحية». ويبدو أن روحاني أوفى بوعده في قطاع الرعاية الصحية من خلال تدشين نظام صحي شامل في أبريل (نيسان) 2014، إذ قدم المشروع الخاص به إلى البرلمان. وقام روحاني بتوفير وقود البنزين التي تتوافق مع مقاييس «يورو 4، ويورو 5»، مما أدى إلى انخفاض نسبة تلوث الهواء، الذي تسبب بأضرار مباشرة على سلامة المجتمع. وتعمل الحكومة على توفير خدمات التأمين الصحي للمواطنين الذين لم يتمتعوا بهذا التأمين حتى الآن. وكانت الميزانية المخصصة لقطاع الرعاية الصحية أكبر من الكمية المخصصة له في العام الماضي. وفي حين يشكك بعض المراقبين في قطاع الرعاية الصحية في قدرة الحكومة على الاستمرار في تطبيق نظام صحي شامل، غير أن روحاني تمكن من إحراز نجاح أكبر بشأن خدمات الرعاية الصحية مقارنة مع القطاعات الثقافية، والاجتماعية. * الأداء الاقتصادي.. ومعدلات التضخم * يمكن تقييم الأداء الاقتصادي السنوي لحكومة روحاني، من خلال مقارنة وعوده الاقتصادية بالمؤشرات الاقتصادية الأساسية. ونشر المصرف المركزي الإيراني إحصاءات بشأن أداء الحكومة في احتواء التضخم، وغلاء المعيشة، وانخفاض معدل البطالة، وكيفية إدارة أسعار العملة الصعبة من خلال إعطاء تطمينات لسوق العملات الصعبة، وتنفيذ المرحلة الثانية من خفض الدعم الحكومي للسلع الأساسية، وتوفير خدمات التأمين للجميع، وتمهيد الأرضية للنمو الاقتصادي. شهد معدل التضخم وتيرة تصاعدية منذ 2010، وذلك بسبب ارتفاع نسبة السيولة النقدية في حكومة أحمدي نجاد. وبلغت نسبة التضخم 10.8 في المائة في 2010. فيما وصلت إلى 31.5 في المائة، في مايو (أيار) 2013. واستمر تصاعد نسبة التضخم حتى أكتوبر (تشرين الأول) 2013. حيث بلغت 40.4 في المائة، وذلك بالتزامن مع نهاية رئاسة أحمدي نجاد، وانتقال الحكومة لروحاني. وتمكنت حكومة روحاني إلى تخفيض معدل التضخم إلى 34.7 في المائة، في مارس (آذار) 2014. و28.4 في المائة في مايو 2014، وذلك من خلال اعتماد سياسات تقوم على أساس إزالة التوتر في الشؤون الخارجية، وتعديل قانون الميزانية بناء على النظام المالي. وتطمح حكومة روحاني إلى انخفاض معدل التضخم إلى 25 في المائة، في نهاية العام الحالي، ويبدو أن هذه الخطة قابلة للتحقيق، وذلك نظرا إلى الانخفاض الحالي لمعدل التضخم. ويظهر انخفاض نسبة البطالة من 12.2 في المائة في 2011، إلى 10.4 في 2012 الجهود التي تبذلها حكومة روحاني لتوفير فرص الشغل في المجتمع منذ توليه السلطة. ولكن هذه الجهود لا تبدو كافية، وذلك نظرا إلى أن عدد الباحثين عن العمل في الوقت الحاضر بلغ 2.5 مليون مواطن، بينما تشير التقديرات إلى أن هذا الرقم يصل إلى ستة ملايين شخص خلال السنوات الثلاث المقبلة. ويشكل خريجو الجامعات معظم الأفراد الباحثين عن العمل. وينبغي تكثيف الجهود الحكومية كي يتمكن روحاني من الوفاء بوعوده في مجال فرص العمل. وسجلت العملة الوطنية الإيرانية هبوطا قياسا أمام العملات الصعبة منذ 2011 بسبب تشديد العقوبات الاقتصادية وسوء الإدارة في فترة ولاية أحمدي نجاد الرئاسية، إذ بلغ سعر الصرف 10500 ريال للدولار الواحد في 2010، في الوقت الذي وصل هذا الرقم إلى 34000 ريال للدولار الواحد في مارس (آذار) 2012، ونهاية فترة أحمدي نجاد الرئاسية في مطلع صيف 2013. وخسرت العملة الوطنية في هذه الفترة نحو ثلثين من قيمتها، ولكنها عادت وانتعشت رويدا رويدا، مع تولي روحاني الرئاسة. وبلغ سعر الصرف 30000 ريال للدولار الواحد في مارس (آذار) 2014، ووصل سعر الصرف إلى 33000 ريال للدولار الواحد في ربيع 2014. الأمر الذي يشير إلى استقرار نسبي لسعر الدولار في إيران. وينسجم مع معدل التضخم الحالي. وقامت حكومة روحاني بخفض الدعم الحكومي للسلع الأساسية منذ أبريل (نيسان) الماضي. ويتمثل أحد الأهداف من تطبيق هذه الخطة الوفاء بالوعد الذي أطلقه روحاني خلال حملته الرئاسية، بشأن توفير خدمات التأمين لكل المواطنين. وتسعى الحكومة إلى تخصيص جزء من الإيرادات الحاصلة من رفع الدعم عن السلع الأساسية، وارتفاع سعر مصادر الطاقة، لتوفير خدمات التأمين لكل المواطنين. من دون شك، فإن تطبيق هذه الخطة له نتائجه وتداعياته على الاقتصاد الإيراني، ويتطلب تقييم مثل هذا البرنامج مزيدا من الوقت لكي تتضح معالمه. لكن لم تقدم الحكومة خطة واضحة حول إصلاح النظام الإداري بهدف الحد من البيروقراطية الحكومية ومكافحة الفساد. ويبدو أن أداء الحكومة في إصلاح النظام الإداري ومكافحة الفساد لم يتكلل بالنجاح حتى الآن. ومکن القول في نظرة إجمالية حول «تقييم الوعود الاقتصادية التي حققها روحاني» إن أداء حكومة روحاني يتميز بنجاح نسبي، بعد مرور عام على توليه للسلطة، وذلك نظرا للظروف المحلية والإقليمية والدولية. وبعد مرور أربعة أعوام على توليه السلطة، وفي الانتخابات الرئاسية المقبلة سيجري التقييم النهائي لأداء روحاني ومدى تحقيقه للوعود التي أطلقها من خلال صناديق الرأي، ولكن الرئيس الإيراني أمامه أكثر من ثلاث سنوات للوفاء بوعوده، وكسب تأييد الناخبين التي صوتوا لصالحه في الانتخابات الرئاسية. * الإنجازات والإخفاقات في السياسة الخارجية * لعل أهم الوعود الانتخابية لحسن روحاني في الشؤون الخارجية ما يتعلق بالملف النووي، إذ قال الرجل إنه سيعتمد النهج الدبلوماسي، وإجراء المفاوضات لحلحلة البرنامج النووي. ولتحقيق هذا الهدف، فقد اعتمد روحاني خلال العام الماضي استراتيجية تقوم على «تحسين مكانة إيران على المستوى الإقليمي والدولي»، التي تمثل وسيلة لإحياء الاقتصاد الإيراني الذي يقع تحت ضغوط هائلة منها العقوبات الدولية، وسوء الإدارة المحلية. ومنذ توليه للسلطة، بذل حسن روحاني جهودا للوصول إلى حل للبرنامج النووي، وتخفيف العقوبات على طهران لكونهما يتصدران أهم التحديات في السياسة الخارجية الإيرانية. وقام روحاني بإحالة الملف النووي من المجلس الأعلى للأمن القومي إلى وزارة الخارجية، وتولي وزير الخارجية محمد جواد ظريف والدبلوماسي المعروف لدى الأميركيين، مسؤولية الملف النووي. واتخذ حسن روحاني بعد ذلك الخطوة الثانية التي تمثلت في زيارته لنيويورك للمشاركة في الجلسة العمومية للأمم المتحدة، بعد مرور أسابيع على توليه الرئاسة الإيرانية. وتوقع الكثيرون أن تشكل هذه الزيارة منطلقا لإجراء لقاءات ثنائية بين روحاني وأوباما، أو حتى تكون البداية لاتصالات بين البلدين. ويرى كثير من المحللين أن نيويورك كانت ستشكل الخطوة الأولى للانفراج في السياسة الخارجية، وتحسين مكانة إيران الدولية. ويعلم الجميع أن أهم التحديات الخارجية التي واجهتها إيران خلال الأعوام الـ35 الماضية تمثلت في استئناف العلاقات أو انقطاعها مع الولايات المتحدة. وساهم توتر العلاقات بين طهران وواشنطن بشكل كبير، وأكثر من أي عامل آخر، في فرض العقوبات الدولية عليها، وتحويل البرنامج النووي إلى أحد أهم التحديات الدولية بالنسبة لإيران. فرغم وجود مثل هذه الحواجز أمام تحسين العلاقات الثنائية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية في المستقبل القريب، قامت حكومة روحاني في مجال استراتيجي آخر، أي تحسين العلاقات بين طهران ولندن، بخطوات صغيرة لكن مهمة. وإثر التوافق بين الجانبين على تعيين قائم بأعمال غير مقيم في سفارتي البلدين، تحسنت العلاقات بين إيران وبريطانيا المقطوعة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2011، ويجري الحديث حاليا عن استئناف عمل السفارتين. كما استضافت إيران بعض المسؤولين الأوروبيين الكبار خلال العام الماضي. المجال الآخر الذي شهد تقدما لفريق السياسة الخارجية لروحاني، هو المفاوضات النووية التي تقضي عامها الـ11، ويرى البعض أن كلمة روحاني في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، والمكالمة الهاتفية بينه وبين الرئيس الأميركي باراك أوباما، واجتماع وزير خارجية إيران مع وزراء خارجية مجموعة «5+1» في نيويورك، والمفاوضات الثنائية بين وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف ووزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري، كلها تعد نجاحا لروحاني وفريق سياسته الخارجية، لأن زيارة نيويورك أسفرت في الأشهر التالية عن اتفاق نووي في جنيف. ففي خريف 2013 وبعد عدة مفاوضات مكثفة، وصل محمد جواد ظريف في مفاوضاته مع مجموعة «5+1» (التي تتشكل من الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا)، برئاسة مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، إلى اتفاق نووي مؤقت لمدة ستة أشهر. وكانت الأجواء المسيطرة على الاتفاق، أجواء أخذ وعطاء كامل، حيث تقبلت إيران بأن تقلل من أنشطتها النووية وأن تفرض قيود دولية أوسع على برنامجها النووي. وفي المقابل تقبلت مجموعة «5+1» بأن تعلق قسما من العقوبات الدولية المفروضة على إيران. وكانت الإجراءات العملية للجانبين، ملموسة ومحسوسة بعد سنوات من الحرب الكلامية والدبلوماسية في المفاوضات النووية السابقة. وقد أوقفت إيران التخصيب بنسبة 20 في المائة، وفي المقابل، قامت دول «5+1» برفع الحظر عن أكثر من أربعة مليارات دولار من الإيرادات النفطية المسدودة، وعلقت قسما من العقوبات المفروضة، على النفط والتأمين والمصارف والملاحة البحرية الإيرانية. لكن بعد فترة قصيرة، أي في ربيع 2014، عندما وصل الأمر إلى مرحلة الصياغة للاتفاق النهائي بين الجانبين، تباطأ التقدم، وتحدث الدبلوماسيون والإعلام عن نوع من الطريق المسدود في المفاوضات. فمن جهة، ركز الغربيون على مفاعل الماء الثقيل في مدينة أراك وعدد أجهزة الطرد المركزي وقوة إيران الصاروخية، ومن جهة أخرى، في داخل إيران، حذر المتشددون الإيرانيون ومنتقدو حكومة روحاني، الفريق المفاوض الإيراني، إزاء أي نوع من التراجع في هذه المجالات. في مثل هذه الأوضاع، وبينما يتحدث الجانبان عن احتمال تمديد فترة الأشهر الستة للمفاوضات، يبدو من الصعب جدا صياغة وثيقة واتفاق نهائيين. كما يبدو أن إدارة أوباما (الطرف الرئيس في المفاوضات) وحكومة روحاني غير مستعدتين لفشل المفاوضات، ويعلمان عن تداعياتها الوخيمة والمدمرة. ويتعرض أوباما لضغوط المتشددين داخل الولايات المتحدة وإسرائيل حيث يطالبونه بأن يستخدم عقوبات أشد بدل الدبلوماسية، من أجل دحر إيران بالكامل. وبعد فشل المساعي الأميركية لاستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإن فشلت المفاوضات مع إيران، ستكون التكلفة أثقل في حسابات السياسة الخارجية لإدارة أوباما.
Viewing all 44 articles
Browse latest View live